السؤال: إنَّ بكاء الشيعة وحزنهم على الحسين بسبب الشعور بالخطيئة وتأنيب الضمير بمّا ارتكبوه من قتل الحسين

جواب: الشيخ نهاد الفياض

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنّ هذا السؤال ينطوي على عدّة ادّعاءات، من قبيل القول بأنّ الشيعة هم الذين قتلوا الإمام الحسين (عليه السلام)، وإنّ بكاءهم إنّما هو ندمٌ على ما ارتكبوه بحقّه، وأنّ الآباء والأجداد من أبناء العامّة لا علاقة لهم بدم الحسين (عليه السلام)، فهم مطمئنّو الضمير، بخلاف الشيعة الذين يعانون من تأنيب الضمير جرّاء فعلهم هذا.

وللإجابة عن هذه الادّعاءات نذكر عدّة أمور:

الأمر الأوّل: الشيعة لم تقتل الحسين:

من القطعيَّات في التاريخ الإسلاميّ أنّ الحاكم في عصر الحسين (عليه السلام) هو يزيد بن معاوية (لعنه الله)، وأنّ الوالي من قبله هو عبيد الله بن زياد، وأنّ قائد الجيش هو عمر بن سعد، وكلّ هؤلاء ليسوا من الشيعة، ولا يُنكر ذلك إلّا المكابر الذي لا يَحسُن الكلام معه؛ ولذلك، فلم يثبت أنَّ أميرًا أو قائدًا أو غيرهما من شيعة أهل البيت المعروفين كان مشاركًا في قتل الحسين، فنسبة قتل الحسين إلى الشيعة فريةٌ واضحة، وعليه، فما هو الدليل على عدم مشاركة الآباء والأجداد في قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، حتّى تكونوا في راحة بال وهدوء ضمير؟

هذا، مضافًا إلى ذلك، فقد ثبت في عدد من الروايات أنّ عَصَب الجيش المقاتل آنذاك كان من أنصار بني أميّة وأهل الشام.

1ـ فقد روى الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن أبان، عن عبد الملك قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرّم؟ فقال: تاسوعاء يومٌ حُوصِر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه (رضي الله عنهم) بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام، وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه (رضي الله عنهم)، وأيقنوا أنْ لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصرٌ، ولا يمدّه أهل العراق… الحديث» [الكافي ج4 ص147].

2ـ وروى الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن أبيه (عليه السلام)، وفيه:«وأقبل عدوّ الله سنان بن أنس الأيادي، وشمر بن ذي الجوشن العامري (لعنهما الله) في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على رأس الحسين (عليه السلام)، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل… الحديث» [الأمالي ص٢٢٦].

3ـ وروى الطوسيّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه قوله:«إنّ آل أميّة (عليهم لعنة الله) ومَن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذرًا: إن قُتل الحسين (عليه السلام) وسَلِم من خرج إليه، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان، أنْ يتّخذوا ذلك اليوم عيدًا لهم… الحديث» [الأمالي ص٦٦٧].

4ـ ونقل الخوارزميّ أنَّ الإمام الحسين خاطبهم فقال:«ويحكم، يا شيعة آل أبي سفيان، إنْ لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربًا كما تزعمون» [مقتل الحسين ج2 ص38].

وللمزيد عن هذا الموضوع يمكنكم مطالعة ما خطّه العالم الجليل السيّد علي الحسينيّ الميلانيّ (دامت بركاته) في كتابه الموسوم بـ(مَن هم قتلة الحسين (عليه السلام)، شيعة الكوفة؟)،وعلى موقع المركز أجوبةٌ عديدةٌ عن هذا الموضوع يمكن مراجعتها.

الأمر الثاني: البكاء على الحسين عبادة:

لا يخفى أنّ بكاءنا على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه من أعظم العبادات التي دلّت عليها الروايات المتواترة، فضلًا عن التأسّي بالنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يبكي الحسين (عليه السلام) قبل مقتله بسنين، ومنه يتّضح بطلان ما قاله السائل من أنّنا نبكي الحسين ندمًا وأسفًا.

1ـ فقد روى ابن قولويه (طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه:«إنّ الحسين (عليه السلام) مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه يُرزقون ويُحبرون، وإنّه لَعند يمين العرش متعلّق به يقول: يا ربّ، أنجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر إلى زوّاره، وإنّه لأعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى من يبكيه، فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمتَ ما أعدّ الله لك، لفرحتَ أكثر ممّا حزنتَ، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة» [كامل الزيارات ص206].

2ـ وروى أيضًا (طاب ثراه) بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:«أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) دمعةً حتّى تسيل على خدّه، بَوّأه الله بها غُرَفًا في الجنّة يسكنها أحقابًا» [كامل الزيارات ص207].

3ـ وروى أيضًا (طاب ثراه) بسنده عن فضالة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:«مَن ذَكرنا عنده ففاضت عيناه، حرّم الله وجهه على النار» [كامل الزيارات ص207].

… إلى غيرها من الروايات الكثيرة.

الأمر الثالث: نهضة الحسين إسلاميّة:

إنّ السائل يصوّر أنّ قضيّة عاشوراء كانت بين الحسين وشيعته، بينما أهل العامّة كانوا متفرّجين فقط، وكأنّ قضيّة الحسين لا تعنيهم أبدًا!! مع أنّ هذا خلاف التعاليم الإسلاميّة، بل المقتضيات الإنسانيّة، إذ كلّ إنسان ـ فضلًا عن المسلم ـ يتأثّر ويبكي على مصيبة سيّد الشهداء، كما بكى عليه النبيّ قبل شهادته وأمير المؤمنين، كما هو ثابت بمصادر العامّة أنفسهم.

ثمّ إنّ الحزن على مصيبته من مصاديق المودّة المأمور بها في القرآن الكريم، في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23].

فينبغي على المسلم أن يحزن على مصيبة سيّد الشهداء، لا أن يرى نفسه غير معنيّ بها، والأعظم من ذلك أن يتّخذ يوم عاشوراء يوم عيدٍ وسرور! فهل الفرح بمصيبة سيّد الشهداء من مصاديق المودّة المأمور بها؟!

والنتيجة النهائيّة من كلّ ذلك: أنّ الدعاوى التي أطلقها السائل كلّها مردودة وغير مقبولة، وذلك لقيام الدليل الواضح على ضدّها كما بيّنا. والحمد لله ربّ العالمين.

إرسال التعليق