ماذا أراد أن يكتب النبيّ في يوم رزية الخميس؟

جواب: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم – أيدك الله – أنَّ علماء الإماميَّة، تبعًا لأئمتهم (ع)، لم يختلفوا في حقيقة هذا الكتاب، فقد طلب النبيّ (ص) – حال مرضه – دواةً وكتفًا ليكتب فيه كتابًا يمنع الاختلاف بعده، حيث أراد أنْ ينصَّ على إمامة أمير المؤمنين (ع) بعهدٍ مكتوبٍ -كما نصَّ عليها باللسان في مناسباتٍ متعددةٍ مثل يوم الإنذار ويوم الغدير وغيره -، لكن المعترضين منعوه، فقال عمر بن الخطاب: (إنَّ رسول الله ليهجر، وحسبنا كتاب الله)، فوقعت الغوغاء، مما أزعج النبيّ (ص)، فقال بعضهم: (أحضروا ما طلب)، بينما منع آخرون. عندها قال النبيّ (ص): (قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع) [ينظر: كشف المحجة ص65، نهج الحق ص275، إحقاق الحق ج1 ص454، غاية المرام ج1 ص156] .

ومن الروايات الدالة على أنَّ النبيّ (ص) أراد أنْ يكتب كتابا بولاية أمير المؤمنين (ع):

منها: ما رواه سُلَيم بن قيس الهلاليُّ، قال: سمعت سلمان يقول: سمعتُ عليَّاً (ع) – بعد ما قال ذلك الرجل ما قال وغضب رسول الله (ص) ودفع الكتف -: ألا نسأل رسول الله (ص) عن الذي كان أراد أنْ يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحدٌ، ولم يختلف اثنان؟ كلام رسول الله (ص) بعد قول عمر فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وذهبنا نقوم أنا وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا عليٌّ (ع): اجلسوا.

فأراد أنْ يسأل رسول الله (ص) ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله (ص) فقال: (يا أخي، أما سمعتَ ما قال عدو الله؟ أتاني جبرئيل قبل فأخبرني أنَّه سامريُّ هذه الأمة، وأنَّ صاحبه عجلها، وأنَّ الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي، فأمرني أنْ أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أنْ أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة أسماء الأئمة الاثني عشر (ع) في الكتف فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلاً رجلاً وعليّ (ع) يخطه بيده) [كتاب سليم ص٣٩٨].

وأما رأي أهل الخلاف في فحوى الكتاب الّذي أراد النبيّ (ص) كتابته فقد اختلفوا على قولين نذكرهما:

أحدهما: أنَّه أراد أنْ يكتب كتاباً ينصُّ فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف.

والثاني: ‌أراد ‌أنْ ‌ينصَّ ‌على ‌أسامي ‌الخلفاء ‌بعده حتَّى لا يقع فيهم الاختلاف [انظر: أعلام الحديث ج1 ص217، شرح النوويّ على مسلم ج11ص89، فتح الباريّ ج7 ص133، المُعْلم بفوائد مسلم ج2 ص357، إكمال المعلم بفوائد مسلم ج5 ص379].

أقول: الذي يؤيد ما ذهب إليه أصحابنا الإماميَّة من ارادة النبيّ (ص) أنْ ينصَّ على إمامة أمير المؤمنين (ع) ما ورد في الرزية من فقرة: «لن تضلّوا بعده» فقد جاءت بنفس النصّ في حديث الثقلين حيث قال النبيّ (ص): «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا». حيث إنَّ عمر ومن معه فهموا فحوى كتابة الكتاب من هذه عبارة: «لن تضلّوا» فعارضه بتلك المعارضة الشديدة ومنع من كتابة الوصيّة، كما اعترف بذلك في أيّام خلافته: بأنّه إنّما صدّ عن كتابتها حتّى لا يجعل الأمر لعلي بن ابي طالب (ع). فقد ذكر أحمد بن أبي طاهر في كتابه: تاريخ بغداد، مسنداً، كما في شرح النهج قال: وروى ابن عباس، قال: دخلت على عمر في اول خلافته .. هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلتُ: نعم، قال: أيزعم أنَّ رسول الله (ص) نص عليه؟ قلت: نعم، وازيدك سالت أبى عمَّا يدعيه، فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله (ص) في امره ذرو من قول لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام، لا وربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريشٌ أبداً ولو وليها لانتقضت عليه العرب من اقطارها، فعلم رسول الله (صلى الله عليه واله) أّنى علمت ما في نفسه، فامسك وأبى الله إلا امضاء ما حتم) [شرح نهج البلاغة ج 3 ص 97].

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخرا

إرسال التعليق