كيف يمكننا الاستدلال بحديث «عليٌّ مع القرآن والقرآنُ مع عليٍّ، لَنْ يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض» على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
جواب: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلَم –أيَّدك الله– أنَّ هذا الحديث الشريف قد أخرجه كبار أئمَّة الحديث من العامَّة، وقد اعترفوا باعتباره -كما سيأتي بيانُه- وله دلالاتٌ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، اعتمد عليها متكلِّمو الشيعة الإماميَّة؛ لذا، فقد رأينا أنَّه من المناسب تناوله سندًا ودلالةً من نقطتين:
النقطة الأولى: في مصدر الحديث وصحَّته:
هذا الحديث أخرجه الطبرانيُّ والحاكم من طريق أبي سعيد التِّيميّ، عن ثابت مولى أبي ذرٍّ عن أمِّ سلمة قالت: سمعتُ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: «عليٌّ مع القرآن والقرآنُ مع عليٍّ، لن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض» [المعجم الأوسط ج5 ص135، المعجم الصغير ج1 ص255، المستدرك ج3 ص134].
وأخرجه الخوارزميُّ من طريق شهر بن حوشب عن أمِّ سلمة قالت: «والذي نفسُ أمِّ سلمة بيده لسمعتُ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: عليٌّ مع القرآن والقرآنُ مع عليٍّ، لن يفترقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض» [المناقب ص177].
وقد أقرَّ باعتبار هذا الحديث من محدِّثي العامَّة كلٌّ من:
1ـ الحاكم النيسابوريُّ قال: (هذا حديثٌ صحيح الإسناد وأبو سعيد التِّيمي هو عقيصاء ثقةٌ مأمون، ولم يُخرجاه) [المستدرك ج3 ص124].
2ـ الذهبيُّ قال: (صحيح) [المستدرك ج3 ص124].
3ـ السيوطيُّ قال: (حسن) [الجامع الصغير ج2 ص104].
4ـ الصنعانيُّ قال: (صحيح) [التنوير ج7 ص334].
5ـ العزيزيُّ قال: (حديث صحيح) [السراج المنير ج3 ص336].
6- العلائيُّ قال: (وأخرج الحاكم في مسنده بسند حسن عن أمِّ سلمة..) [إجمال الإصابة ج1 ص55].
النقطة الثانية: في دلالته ومعناه:
اعلم أنَّ هذا الحديث يمكن تناول دلالته على الإمامة من وجوهٍ ثلاثة:
الوجه الأوَّل: دلالته على عصمة أمير المؤمنين (ع):
أنَّ المعيَّة وعدم الافتراق الواردة في الحديث بين أمير المؤمنين والقرآن الكريم تدلَّان على أنَّهما مرتبطان ببعض ارتباطًا أبديًّا بـ«لن» التأبيديَّة، حتَّى يَرِدا على النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) الحوض؛ أي أنَّ عليًّا تابعٌ للقرآن، لا يُفارِق أمره ونهيه ومواعظه وأمثاله ومعرفة معانيه، والاشتغال به، ولا يأتي أمرًا ولا نهيًا إلَّا وهو مع القرآن، مُصاحبٌ له، لا يأتي خلافه، فلو أتى بما يخالف القرآن لحصل الافتراق، بينما الحديث ينصُّ على عدم التفرُّق، وبما أنَّ القرآن معصوم، فإنَّ قرينه الذي لا يفترق عنه أبدًا لا بد أن يكون معصومًا أيضًا، كما أشار إلى ذلك من علماء العامَّة العلَّامة الصنعانيُّ حيث قال: (وهذا الحديث من أدلَّة العصمة لأنَّ من لازم القرآن ولازمه القرآن لا يأتي معصيةً، إذ لو أتاها لفارقه القرآن، والحديث يشهد بأنَّه لا فراق بينهما..) [التنوير ج7 ص335].
الوجه الثاني: دلالته على تفضيل أمير المؤمنين (ع):
أنَّ المعيَّة الأبديَّة –«لن يفترقا»– بـ«لن» التأبيديَّة تتضمَّن مفهومًا واحدًا قائمًا بطرفيه: عليٌّ والقرآن، وكما أنَّ الثابت أنَّ للقرآن الكريم الأفضليَّة، فكذلك يترتَّب ثبوت الأفضليَّة لقرينه، كما أشار إلى ذلك من العامَّة العلَّامة الصنعانيُّ بقوله: (وهذا الحديث من أجلِّ أدلَّة فضائله) [التنوير ج7 ص335].
الوجه الثالث: دلالته على أعلميَّة أمير المؤمنين (ع):
أنَّ المعيَّة وعدم الافتراق الواردة في الحديث تثبت أعلميَّة أمير المؤمنين، فكما أنَّ القرآن أعلم، فكذلك قرينه الذي لا يُفارقه أبدًا، أي أنَّ عليًّا في رتبة المعية مع هذا القرآن بكلِّ ما حواه من إشاراتٍ ولطائف وحقائق وبطونٍ سبعة، وكما أنَّ مقامات القرآن لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فكذلك قرينه أعلمُ الناس بمعانيه وغرائبه وبواطنه، كما أشار إليه العلَّامة الصنعانيُّ بقوله: (وهذا الحديث من أجلِّ أدلَّة فضائله، وأدلَّة علمه بتأويله، فإنَّه لا يُلازم إلا من عرف معانيه) [التنوير ج7 ص335].
والمحصَّل من ذلك كلِّه أنَّ –العصمة، والتفضيل، والأعلميَّة – كلُّها تستلزم ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، مثلما قرَّر أعلام الفرقة المحقَّة «أعلى الله برهانهم» ذلك، فيثبت المطلوب.
فائدة: تكرار المعية «القرآن مع علي» له حكمتُه، كما أشار إلى ذلك الشيخ الوحيد الخراسانيُّ (دام ظلُّه) بقوله: (وما أعظم مقام من وصفه النبيُّ بأنَّ القرآن معه، ومع أنَّ المعية قائمة بالطرفين، لم يكتفِ بقوله (صلَّى الله عليه وآله): عليٌّ مع القرآن، وزاد في بيان عظمته بما لا يناله إلا أولو الألباب، وهو قوله: والقرآن مع عليٍّ. وفي الابتداء بعليٍّ والاختتام بالقرآن في الجملة الأولى، والابتداء بالقرآن والاختتام بعليٍّ في الجملة الثانية، وترتيب الكلام من أفصح مَن نطق بالضاد، بحيث يكون البدء والختم بعليٍّ) [مقدِّمة في أصول الدين ص184].
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوَّلًا وآخرًا.
إرسال التعليق